الخميس، 17 سبتمبر 2020


الأصدقاء
2- أخلاقيات .... عالم ما بعد كورونا
بإذن الله تعالي ستمضي هذه الغُمة (عساه قريباً ) وسيتخلص العالم من إرث أخلاقي بغيض مقيت أضاع البلاد والعباد , هكذا علمتنا الجائحات الماضيات عبر تاريخنا البشري فكل جائحة تأتي بعدها تغيرات أخلاقية وجلاءً لمعادن الناس وأفكارهم وإليك أيها القارىء الكريم مثالين أحدهما قديم والآخر حديثاً
فقديماً إجتاح الطاعون الدولة الرومانية سنة 165م (في عهد ماركوس أوريليوس "161م الى 180م) وهي الدولة القائمة على قوة وبطش الفرسان وخياناتهم وتصفيه المعارضين بإلقائهم للسباع واضطهاد التدين (المسيحي ) والزنا والفجور فكانت هذه مقولة ماركوس أوريليوس بعد إجتياح الطاعون :
( لقد خلقنا من اجل أن نتعاون كما هو حال الأقدام والأيدي والأجفان. . . فان يعمل بعضنا ضد بعضنا الآخر لهو مخالفة للطبيعة ) ثم وضع مؤلفاً ضخماً باللغة اليونانية من 12 كتاباً بالمفاهيم الاخلاقية عرف بـ«التأملات»، يعد من أبرز آثار الفكر الرواقي، ويعرض فيه ايمانه بأن الحياة السوية تفضي إلى السكينة والطمأنينة، ويشدد على فضائل الحكمة والعدالة والاعتدال
وحديثاً عام 2009 وفي ظروف عالمية سادها التوحش المادي والهمجية والإستبداد والإنحطاط الذي أنتج الجهل والفقروالقهر , إجتاح العالم فيروس H1N1 أو الأنفلونزا المطور وأنشغل الناس بتداعياته الإقتصادية ولم يخطر في أذهانهم (ولم يتعلموا من التاريخ ) أن الأفكار والمفاهيم قد تغّيرت والمطالب بالحرية والعدالة والكرامة وغيره قد تصاعدت حتى أثمرت بما يعرف في منطقتنا بالربيع العربي
وها نحن نعيش جائحة فيروس كورونا كوفيد19 وهانتا في ظروف لا تختلف كثيراً عما سبق غير أن حاجة العالم لمنظومة القيم الإنسانية ونمذجتها الإسلامية حاجة ضرورية وأكثر إلحاحاً ,الأمر الذي يقتضي من العاقلين تقديم نماذج لأبرز ثمار حضارة الإسلام وهي ثمرة الإنسان الخلوق
فلم تكن قوة ونفوذ وازدهارالحضارة الاسلامية بسبب ثروتها أو أزيز طائراتها وقوة تفجير براميلها ولا دقة وبراعة منظومة تجسسها
إنما كان نفوذ وقوة وثراء وغزارة إنتاج حضارة الاسلام نابعاً من رقي وروعة نظامها الأخلاقي القائم على العدالة والحرية والأخوة الإنسانية والمتجسد في نموذج المسلم الخلوق

 أخلاق العار والدمار

يقول المؤرخ (عبد الرحمن الجبرتي )
(خلال عامي 1695 -1696 هجم الطاعون على مصر بقوة ونظراً للإلتزام الديني عند كثير من الناس ,حث رجال الدين على التعاون لمواجهة تلك المحنة وكان الاصدقاء والجيران يساعدون في إطعامهم وغُسلهم وكان يتم تجهيز المتوفين ونقلهم إلى المقابر وكان العديد من الأثرياء وكبار التجار يشاركون في الأعمال الخيرية ويساعدون في دفن الموتى )
ويقول :
( واجتمع الوالي مع التجار وأعادوا الغلال من مراكب دمياط وأمر الوالي بحبس تجار خزنوا الطعام و رفعوا الأسعار .....)
ومرت الأيام ونقل لنا الإعلام غرائب وعجائب تعامل الناس مع جائحة كوفيد19 واستغلال حاجة الناس وابتزازهم والنصب عليهم حتى إذا ماتت أطبائهم وممرضيهم رفضوا دفنهم في أرضهم بل رفض الابناء استلام أبائهم ودفنهم بل وقع ما هو أبشع .....إنها أخلاق العار والدمار
ولله درك ياأفغاني يوم قلت : (لا أمة بدون أخلاق ولا أخلاق بدون عقيدة ولا عقيدة بدون فهم )

 

1-     كي نستقبل عالم....ما بعد كورونا

                                     د. مجدي هلال 

بإذن الله تعالي ستمضي هذه الغمة (عساه قريباً ) وسيولد عالماً جديداً بعد أن حصدت البشرية ويلات مازرعت وعاينت جبرت فيروس ضعيف فرض عليها الحصار والحرمان والكساد والقهر رغم ترسانات الأسلحة المدمرة والإمكانات التكنولوجية الفائقة والارصدة والعلاقات والنفوذ والمباني المبهرة والإعلام المهيمن 

وهكذا تمضي سنن الله في خلقه وتظهر حقيقة العوار والعجز البشري وتناقضات عالم التريليونات وعالم النفايات وموت الضعفاء وحماية الأقوياء  أمام فيروس  كوفيد19 وتتجلي حقيقة قوة الأقدار في تغيير المعادلات وإعادة الإبصار في آيات الله المرئية والمقروئه (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزخرف:24]

بإذن الله تعالي ستمضي هذه الغمة (عساه قريباً ) فالله لم يخلق شراً  قط وجعل مع كل عسرٍ يسرين، فهكذا يقيننا وتوكلنا على الله وهكذا علمتنا الجائحات الماضيات عبر تاريخنا البشري فكل جائحة يأتي بعدها عصر جديد وتغيرات  أخلاقية وفكرية وأيدلوجية  وجوسياسية

فقد إجتاح الطاعون روما سنة 165م ثم قارة أوروبا وشمال أفريقيا ووسط وغرب أسيا فأضعف  الكيان العسكري والديني للدولة الرومانية حتى أسقطها

ثم إجتاح الطاعون الدولة البيزنطية  في عصر جستنيان 541م  وكذلك الدولة الفارسية  قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاثين سنة  وتسبب في ضعفهما وسقوطهما وميلاد الدولة الإسلامية

ثم أجتاح فلسطين طاعون عمواس 630م وكان أشد من سابقه فقتل أكثر من  نصف سكان المنطقة

ثم أجتاح أوروبا سنة  800م  موجه أخرى من الطاعون وترك أثراً بالغاً ثم إجتاح  العالم الطاعون الأسود عام 1348 م الذي حصد 40 %  أي مائتي ألف من سكان العالم (أغلبهم من الفقراء ) وكانت جنازات الأموات في القاهرة في اليوم الواحد  عشرين ألف جنازة وأنهي هذا الطاعون منظومة  نبلاء وبابوات العصور الوسطى  وبداية عصور النهضة والرقي والأزدهار الحضاري الإسلامي إبان القرن الرابع  عشر فكان ذلك عقب الطاعون الأسود أو الطاعون الكبير ثم تبدلت الأحوال وغلبت الصراعات حتى إجتاح العالم وباء H1N1 أو الأنفلونزا الاسبانية  لمدة عامين من 1918م الى  1920 م بعد الحرب الأولى  (التي أنتشر خلالها الطاعون ) وقد أصاب هذا الفيروس أكثر من 500 مليون إنسان و حصد أرواح أكثر من 100 مليون إنسان فكان بعدها سقوط الخلافة وتقسيم العالم الاسلامي والعربي ثم تحور هذا الفيروس وأعاد إنتاج ذاته  في 2009م باسم انفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور وما زامنه من مشكلات وكساد وانهيار بعض اقتصاديات دول حتى جاء فيروس  هانتا وفيروس كورونا كوفيد19 وهو الجيل السادس الذي ليس له علاج إلى الآن وقد وضع جميع دول وشعوب العالم في حالة حصار وتعطل عجلة الحياة بالكامل  وتساوت فيه الأفراد والشعوب والجماعات  فالكل اصبح مسجون  ومحاصر ومسلوب الحرية ومقيد الإرادة  ومنتظر الموت مما تسبب في خسائر تفوق أي تصور وتنذر بإفلاس  وسقوط تام لكيانات ومشروعات وأنظمة ودول

 ويتوقع الخبراء 

إنهيارات إقتصادية أشد من الكساد العظيم 1929 م وأزمة 2008  م

وتحول ثقل القيادة الاقتصادية  عن أمريكا وأوروبا  إلى أسيا (الصين وعودة الروح لبعض النمور الاسيوية وتركيا ) وخروج آخرين عن الحلبة

وتراجع  الإتجاهات  المادية  والوجودية لصالح الغيبيات  والتدين العام والخطاب الأخلاقي والاتجاه الحتمي لتطوير الخطاب الديني اليهودي والمسيحي والإسلامي  وفكرة العدالة والحياة الكريمة

وإعادة تقييم  العلاقات والتحالفات وسحق الوكلاء وإدارة الصراعات في ضوء التحولات الجديدة 

وبدء تحولات وتغيرات في كيانات  ومنظمات دولية وإقليمية

وتصويب الخطاب الإنساني  ليعلوا فوق المصالح والأيدلوجيات وطرح فكرة الإنسانية والتعايش  والحياة

 تنامي ضغوط لكشف عمليات وثروات غير شريفة لدول وكيانات ورموز

بلورة فكرة صراع الحضارات

                                                                                          مجدي هلال